accessibility

المحاكم النِّظامية من الكتابة اليدوية إلى الرَّقمنة.. 25 عامًا من الرَّعاية الملكية

حظي الجهاز القضائي ومنذ تولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية بالرعاية الملكية الموصولة فكان الإنجاز والتحديث والأتمتة عنوان 25 عامًا مضت ضمن محطات متوالية من التطوير، بدأت مع نهاية عام 1999 واستمرت حتى اليوم وما تزال.

وكالة الأنباء الأردنية (بتـرا) عادت 25 عامًا إلى الوراء وقبل أن تصدر التوجيهات الملكية السامية بتشكيل اللجنة الأولى لتطوير القضاء، وبحثت في أرشيف المحاكم من الدعاوى التـي تعود إلى ما قبل عام 1999، لتجد أنَّ إجراءات التقاضي كانت تعتمد وبشكل رئيس على تدوين محاضر الجلسات بالكتابة اليدوية، مع استخدام محدود للآلة الكاتبة.
وخلال البحث تبين أنَّ بعض الدعاوى احتوت من اللوائح ومحاضر الجلسات والبينات على ما يزيد على 3 آلاف ورقة كتبت بخط اليد، إذ كانت الهيئات القضائية توثق إجراءات المحاكمة والاستماع للشهود والخبـرة الفنية باستخدام الكتابة اليدوية من خلال ما يعرف بالكاتب، وهو ما كان يستغرق الوقت والجهد ويتطلب العديد من الموارد البشرية، لا سيما وأن معدل الدعاوى المنظورة في المحاكم في ذاك الحين كان يتجاوز 200 ألف دعوى في العام الواحد.
النَّاطق الإعلامي للمجلس القضائي وأمينه العام القاضي علي المسيمي قال لـ (بترا) إنَّ أولى محطات الرعاية الملكية للقضاء كان عام 2000، حيث أمر جلالة الملك عبدالله الثاني بتشكيل اللجنة الملكية الأولى لتطوير القضاء، وكان لمخرجات أعمالها الدور الرئيس في تطور إجراءات التقاضي، وتحسين البنية التحتية والتجهيـزات ووسائل الاتصال اللازمة، ولعل حوسبة مراحل التقاضي وإجراءاتها أبرز وأهم أوجه التطوير والتحسين الذي طرأ على عملية التقاضي.
خلال العام 2001 بدأ العمل القضائي بالتطور تدريجيا وبصورة تتناغم مع تبني الأنظمة القضائية العربية والدولية عدد منهجيات حديثة في إدارة عملية التقاضي، فبدأت بعض المحاكم باستخدام أجهزة الحاسوب لإعداد وطباعة محاضر الجلسات دون استخدام الانترنت، وفي آواخر عام 2003 تبنت وزارة العدل فكرة حوسبة إجراءات عمل المحاكم، إذ بدأ تطبيق أولى هذه المحاولات في قصر العدل بعمان.
ويشير المسيمي الى أنَّه وفي عام 2004 جاءت أولى المحاولات لإنشاء نظام محوسب متكامل لكافة المحاكم على مستوى المملكة يعمل على جمع كل ما يتعلق بالدعوى من بيانات إضافة إلى تخزين محاضر الجلسات والأحكام الصادرة فيها ضمن قاعدة بيانات واحدة، وبصورة تمكن من الرجوع إليها في أي وقت، عدا عن إمكانية توفير الإحصائيات القضائية في الوقت المطلوب، وكانت بداية تفعيل هذا النظام في محكمة بداية عمان بعد أن تم رفدها بأجهزة حاسوب لتوثيق إجراءات التقاضي فيها، ومن ثم تم تطبيق هذا النظام تدريجيًا في باقي محاكم المملكة.
وفي العام 2005 وبعد أن ظهر للعيان النتائج المرضية لاستخدام الحوسبة في أعمال المحاكم، تم البناء على ما إنجازه من أعمال حوسبة لأعمال المحاكم، وإعداد الصيغة الأولية من نظام "ميـزان 1" وهو النظام المشغل لأعمال المحاكم وإدارة سير الدعاوى ومتابعة جميع الإجراءات المتعلقة بالدعوى منذ تسجيلها وحتـى آخر مرحلة تصل الدعوى إليها ويشمل ذلك إصدار التبليغات لأطراف الدعوى، وطباعة محاضر الجلسات وحفظها وتخزينها.
وفي عام 2006، يقول المسيمي، تمَّ استكمال تطبيق برنامج ميـزان ليشمل جميع المحاكم والبالغ عددها في حينه (79) محكمة، كما تم بناء قاعدة بيانات متكاملة للدعاوى المسـجلة سابقاً من خلال إدخال بياناتها وخلاصة الأحكام الصادرة فيها ضمن النظام المحوسب، وهو ما مكن من تتبع سير إجراءات التقاضي فيها منذ بدايتها وحتى انتهائها، وبناء قاعدة غنية من البيانات تغذي الإحصائيات القضائية.
ومنذ العام 2007 جرى العمل على تطوير برنامج ميـزان على مراحل متوالية، إذ شهدت المحاكم تطبيق برنامج "ميـزان (2)" وهو الصيغة الثانية من برنامج مـيزان الذي يغطي معظم العمليات الإلكترونية اللازمة لإدارة عملية التقاضي.
وأوضـح المسيمي أن التحديث الأخيـر على النظام وفر قاعدة بيانات شاملة للدعاوى المسجلة لدى المحاكمة ووثق إجراءات المحاكمات وما يتخللها من مذكرات ولوائح إضافة إلى محاضر الجلسات بصورة دقيقة، كما ومكن المستخدمين من تتبعها بشكل إلكتروني، وهو ما ساهم في توفير قاعدة واسعة من السوابق القضائية والإحصائيات القضائية التـي يحتاجها المجلس القضائي في بناء سياساته القضائية وخططه الاستراتيجية.
وأشار الى النسخة الثالثة المطورة من برنامج مـيزان "(3)" التي تمتاز بخصائص تقنية تواكب التقدم التكنولوجي، إذ يتيح النظام بنسـخته الأخيـرة خاصية تتبع سير الدعوى، سواء الجزائية أو الحقوقية من لحظة تسـجيل القضية وحـتى صدور الحكم القطعـي فيها وانتهاء الـنزاع بصورة تامة وتنفيذ الحكم في دائرة التنفيذ، كما يوفر النظام خاصية أرشفة وثائق الدعاوى، سواء تلك المنظورة أمام المحاكم أو دوائر النيابة العامة.
وبين أنَّ قطاع العدالة استطاع ومن خلال توظيف التقنيات الحديثة إدخال العديد من التحسينات على إجراءات المحاكم التـي ساهمت في تسريع إجراءات التقاضي وتعزيز الوصول إلى العدالة الناجزة، وتحقيق ضمانات الحيادة والنزاهة، وتوفير وسائل وضمانات تكفل للمتقاضين الاطلاع على مجريات المحاكمات وتتبع سير الدعاوى بكل شفافية ونزاهة، إذ مكن النظام المحوسب في المحاكم المحامين وأطراف القضية من الاطلاع أولا بأول على ما يجري تدوينه في محاضر الجلسات من خلال الشاشات الإضافية التـي تم وضعها في قاعات المحاكم ودوائر الادعاء العام وكذلك ضمان التوزيع العشوائي للدعاوى على الهيئات الحاكمة، واستخدام أنظمة الدور لدى دوائر كاتب العدل والتنفيذ والمحاسبة.
المسيمي بين أنَّ عملية حوسبة أعمال المحاكم وتطوير برنامج مـيزان بنسـخه الثلاثة جاء بالتزامن مع تطوير مجموعة من الخدمات المحوسبة والإلكترونية الـتي خصصت للمحامين والمواطنين، فكانت البداية بإطلاق خدمة الاستعلام عن الدعاوى والحصول على شهادة عدم المحكومية باستخدام الشبكة العنكبوتية، وهو ما مهد الطريق لاحقاً لإطلاق مجموعة متوالية وجديدة من الخدمات الـتي استهدفت معظم متلقي الخدمات في قطاع العدالة.
وأشار الى أن شبكة الربط الإلكتروني البينـي عملت على ضمان تبادل البيانات والمعلومات والوثائق والملفات، بين الجسم القضائي وبين الشركاء كدائرة الأراضي والمساحة، ودائرة مراقب الشركات، وإدارة التنفيذ القضائي، وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل وإدارة حماية الأسرة والأحداث وغيرها.
وعلى صعيد أعمال النيابة العامة والغرف القضائية الجزائية، ساهمت التطورات التقنية والتحسينات على برنامج ميزان بنسخه الثلاث، في تسريع إجراءات نظر الدعاوى الجزائية وضمان تحقيق السياسات العقابية والإصلاحية التـي تبناها المجلس القضائي.
وأوضح المسيمي أن هذا النظام أسهم النظام من عام 2014 في خلق خاصية إدارة إجراءات التوقيف القضائي وتتبع المدد فيه، بحيث يوفر إمكانية مراجعة وتتبع البيانات بصورة يومية، سواء من حيث عدد حالات الموقوفين لدى كل هيئة قضائية أو مدعي عام والحالة القانونية للتوقيف، وإرسال إشعارات وتنبيهات للجهات المعنية بذلك لاتخاذ المقتضى القانوني سواء بتمديد التوقيف أو إخلاء سبيل الموقوف، إضافة إلى بناء قاعدة بيانات خاصة بالجرائم التـي ساعدت في بناء تقارير وإحصائيات مرنة وفق متطلبات العمل.
وساهم التطور التقنـي ببناء ما يعرف بالسجل العدلي والذي يقدم السيرة الجرمية للأفراد بعد أن تم ربطه بالسجلات الإلكترونية لدى مديرية الأمن العام، وقد أسهم ربط السجل العدلي مع برنامج مـيزان في توفير كافة البيانات التـي تلزم الهيئات القضائية في التحقق من توافر شروط "حالة التكرار" قبل إصدار الأحكام كما ساهم الربط مع إدارة مراكز الإصلاح في تتبع حالة المشتكى عليهم لغايات التسريع بإجراءات التبليغات القضائية وحضورهم لمواعيد الجلسات، وكذلك في إطلاق مشروع المحاكمات عن بعد.

وفي عام (2013) تم البدء بما يعرف بأرشفة ملفات الدعاوى بصورة تضمن حفظ نسـخة إلكترونية عن كافة أوراق الدعوى منذ لحظة تسـجيلها وانتهاء بتنفيذ الحكم الصادر فيها ضمن نظام إلكتروني خاص بالأرشفة ملحق ببرنامج "ميـزان"، ومنذ ذاك الحين جرى أرشفة ما يقارب 117 مليون ورقة وسـجل محفوظة في ملفات الدعاوى لدى محاكم المملكة، وهو ما أوجد تصوراً جديداً وحديثاً للملف القضائي ضمن خطط التحول الإلكتروني.
وبين المسيمي أن مخرجات أعمال اللجنة الملكية الثانية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون، خلقت رؤى جديدة لآليات توظيف التقنيات الحديثة في إجراءات التقاضي، وتيسير إجراءات الدعاوى والتبليغات القضائية، والارتقاء بالخدمات الـتي يقدمها مرفق العدالة، إذ تم إطلاق خطة التحول الإلكتروني لقطاع العدالة التـي شملت جميع مكونات القطاع وما ارتبط به من منظومات، كالسـجل العدلي، واستخدام الوسائل الالكترونية والرسائل القصيرة (SMS) في تبليغ الأوراق القضائية، وتسجيل الدعاوى وتبادل المذكرات واللوائح والمرافعات إلكترونياً، وخدمة المزادات الإلكترونية، وإطلاق تطبيقات إلكترونية للاستعلام عن القضايا على الهواتف الذكية على صعيد القضايا المنظورة لدى المحاكم، وخدمة الحاسبة الإلكترونية على الموقع الإلكتروني، وخدمة الاستعلام عن طلبات النقض بأمر خطي وإعادة المحاكمة أو العفو الخاص. هذا، كما وطالت التطوير والتحديث إجراءات الخـبرة المدنية وإجراءات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية والمساعدة القانونية.
وقال، إنَّ قطاع العدالة هو من أول القطاعات التـي استفادت من الدروس والعبـر المأخوذة من جائحة كورونا، فقد سعى إلى تعظيم الاستفادة من التقنيات الحديثة والناشئة لضمان الاستجابة الفورية للظروف الطارئة إبقاء أبوابه مفتوحة أمام قاصديه، فكانت النقلة النوعية في إجراء المحاكمات، فقد تم تطوير مشروع المحاكمة (عن بعد) من خلال الربط ما بين المحاكم ومراكز الإصلاح باستخدام التقنية الاتصال عن بعد، الذي ساهم في توفير الضمانات القانونية للنـزلاء والحفاظ على آدميتهم وكرامتهم، وقد جاء المشروع على ثلاث مراحل، حيث تضمنت المرحلة الأولى تجهيـز (4) قاعات محاكمة عن بعد في المحاكم و (4) قاعات أخرى في مراكز الاصلاح والتأهيل، وضمنت المرحلة الثانية تم ربط (6) محاكم إضافية مع (7) مراكز اصلاح وتأهيل، وشملت المرحلة الثالثة (10) محاكم بالإضافة الى (6) مراكز إصلاح وتأهيل لتصبح جميع محاكم البداية مربوطة مع مراكز الإصلاح والتأهيل بالإضافة إلى (3) دور تربية وتأهيل أحداث و (3) بداية أحداث.
وبين أنه قد تم عقد ما يزيد على مئة ألف جلسة عن بعد منذ بداية المشروع، وهو ما أدَّى إلى خفض تكاليف نقل الموقوفين من مراكز الإصلاح إلى المحاكم، وأسهم كذلك في الحد من الاختلاط في ظل الجائحة. وكان هذا المشروع جزءاً من خطة القطاع نحو التحول الإلكتروني، الذي شمل كذلك التأطير القانوني للتبليغات الإلكترونية والإيداع الإلكتروني للأوراق القضائية، وإطلاق خدمة تسديد المبالغ المحكوم بها في القضايا التنفيذية إلكترونياً.
ولفت إلى أنَّ مشاريع التحول الإلكتروني للعملية التـدريبية والتعليمية في المعهد القضائي، سواء من خلال استخدام وسائل التواصل المرئي في عقد البـرامج التدريبية أو إطلاق المنصة الإلكترونية للتعليم قد أسهم في توفير مزيد من الأدوات المتطورة في لإعداد القضاة وتأهيلهم تأهيلاً علمياً وعملياً متيناً.
ومع نهاية عام 2023 ومطلع عام 2024 أطلق المجلس القضائي مشروع الملف القضائي الإلكتروني الذي تستطيع الهيئة القضائية والمحامي والمواطن من خلاله الاطلاع على كافة مرفقات الدعوى والبينات فيها دون الحاجة إلى اللجوء إلى الملف الورقي. وقد علمت (بتـرا) أنه قد تم تشكيل لجنة قضائية متخصصة في بداية عام 2024 لغايات وضع تصور شامل متكامل لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمات قطاع العدالة وصولاً إلى قضاء رقمي.